(وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ ، فَسَيَقُولُونَ : هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) أي وحين لم يهتدوا بالقرآن ، ظهر عنادهم ، وسيقولون بعدئذ : هذا كذب مأثور عن الناس الأقدمين ، كما قالوا : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) بقصد انتقاص القرآن وأهله. وهذا هو الكبر الذي قال عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما رواه مسلم والترمذي عن ابن مسعود : «الكبر : بطر الحق ، وغمص ـ أو غمص ـ الناس» أي احتقارهم. وبطر الحق : دفعه ورده.
ثم ذكر الله تعالى دليلا على صدق القرآن وصحته ، فقال :
(وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً ، وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ، وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) أي ومما يدل على أن القرآن حق وصدق وأنه من عند الله : اعترافكم بإنزال الله التوراة على موسى ، الذي هو إمام وقدوة يقتدى به في الدين ، وهو رحمة لمن آمن به ، وهذا القرآن الموافق للتوراة في أصول الشرائع مصدق لكتاب موسى ولغيره من الكتب الإلهية المتقدمة ، أنزله الله حال كونه بلغة عربية واضحة فصيحة يفهمونها ، من أجل أن ينذر به هذا النبي من عذاب الله الذين ظلموا أنفسهم وهم مشركو مكة ، ويبشر به المؤمنين الذين أحسنوا عملا ، فهو مشتمل على النذارة للكافرين ، والبشارة للمؤمنين. وهو ليس إفكا قديما كما يزعمون ، بدليل توافقه مع التوراة.
وبعد ذكر شبهات المنكرين ، ذكر الله تعالى حال المؤمنين وجزاءهم قائلا :
(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا : رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا ، فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي إن
الذين جمعوا بين التوحيد والاستقامة على منهج الشريعة ، لا يخافون من وقوع مكروه بهم في المستقبل ، ولا يحزنون من فوات محبوب في الماضي ، وجزاؤهم ما قال تعالى :
(أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ، جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي أولئك المؤمنون الموحدون المستقيمون على أمر الله هم أهل الجنة ، ماكثين فيها على