والشر ، فملك اليمين يكتب الخير ، وهو أمير على كاتب السيئات ، وملك الشمال يكتب الشر (سَكْرَةُ الْمَوْتِ) شدته التي تذهب بالعقل (بِالْحَقِ) بحقيقة الأمر (ذلِكَ) الموت (ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) تهرب وتفزع وتميل عنه ، والخطاب للإنسان.
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) أي نفخة البعث (ذلِكَ) النفخ (يَوْمُ الْوَعِيدِ) أي يوم إنجاز الوعيد وتحققه للكفار بالعذاب (وَجاءَتْ) فيه (كُلُّ نَفْسٍ) إلى المحشر (سائِقٌ وَشَهِيدٌ) ملكان أحدهما يسوقها إلى أمر الله ، والآخر يشهد على النفس بعملها.
(لَقَدْ كُنْتَ) في الدنيا (فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) الذي ينزل بك (غِطاءَكَ) الغطاء الحاجب لأمور المعاد ، وهو الغفلة والانهماك في ملذات الدنيا (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) حادّ نافذ تدرك به ما أنكرته في الدنيا.
المناسبة :
بعد أن أقام الله تعالى الأدلة الساطعة على إمكان البعث في الآفاق والأنفس ، شرع في تقرير خلق الإنسان الدال على شمول علم الله تعالى ، وعظيم قدرته على بدئه وإعادته. ثم أخبر عن انكشاف الحقيقة بالموت ، وإتيان ملكين بكل نفس يوم القيامة للسوق إلى المحشر والشهادة عليها ، ورفع حجاب الغفلة عن كل إنسان ، وإدراكه أحوال المعاد والحشر.
التفسير والبيان :
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) أي تالله لقد أوجدنا الإنسان (وهو اسم جنس) ونعلم بجميع أموره ، حتى ما يختلج في سره وقلبه وضميره من الخير والشر ، ونحن أقرب إليه من حبل وريده ، فكيف يخفى علينا شيء مما في قلبه ، فقوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) معناه أن الله تعالى لا يحجب عنه شيء ، وقال ابن كثير : يعني ملائكته تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل وريده.
فهذا إخبار من الله تعالى بأنه خلق الإنسان ، وأن علمه محيط بجميع أموره ،