التفسير والبيان :
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً ، فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ ، هَلْ مِنْ مَحِيصٍ)؟ أي وكثيرا ما أهلكنا قبل هؤلاء المكذبين من قريش ومن وافقهم ، من أمم وجماعات ، كانوا أكثر منهم ، وأشد قوة ، وآثارا في الأرض ، كعاد وثمود وقوم تبّع وغيرهم ، وقد أثروا في البلاد ، فساروا فيها يبتغون الأرزاق والمتاجر والمكاسب ، أكثر مما طفتم بها ، فهل لهم من مفر أو مهرب يهربون إليه ، يتخلصون به من العذاب ، ومن قضاء الله وقدره ، وهل نفعهم ما جمعوه من أموال ، وردّ عنهم عذاب الله لما جاءهم لتكذيبهم الرسل ، فأنتم أيضا لا مفر لكم ، ولا محيد ، ولا مناص ، ولا مهرب.
ثم ذكر الله تعالى أن تلك الإنذارات والتهديدات والزواجر لا ينتفع بها إلا المفكرون ، فقال :
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ ، وَهُوَ شَهِيدٌ) أي إن فيما ذكر من قصة هؤلاء الأمم ، وما ذكر في هذه السورة وما قبلها من الآداب والمواعظ ، سواء بين الأفراد أو بين الجماعات ، لتذكرة وموعظة وعبرة لمن يعتبر بها ، من كل ذي عقل واع ، يتأمل به ، ويتدبر الحقائق والأسباب والنتائج.
ثم أعاد الله تعالى دليل إمكان البعث مرة أخرى ، فقال :
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) أي وتالله لقد أوجدنا من غير مثال سبق السموات والأرض وما بينهما من عجائب المخلوقات ، في أيام ستة ، وما أصابنا أي إعياء ولا تعب ولا نصب. وهذا رد على اليهود ، فإنهم ـ كما قال قتادة ـ قالوا : خلق الله السموات والأرض في ستة أيام أولها الأحد ، وآخرها الجمعة ، ثم استراح في اليوم السابع ، وهو يوم السبت ، وهم يسمونه يوم الراحة ، فأنزل الله تعالى تكذيبهم فيما قالوه وتأولوه.