فلما قامت لتلبس ثيابها ، بكت أختها ، فقالت : وما يبكيك؟ فو الله ما التبس بي أحد من خلق الله تعالى غيره قط ، فيقضي الله سبحانه وتعالى فيّ ما شاء ، فلما أتى بها عثمان رضياللهعنه أمر برجمها ، فبلغ ذلك عليا رضياللهعنه ، فأتاه ، فقال له : ما تصنع؟ قال : ولدت تماما لستة أشهر ، وهل يكون ذلك؟ فقال له علي رضياللهعنه : أما تقرأ القرآن؟ قال : بلى ، قال : أما سمعت الله عزوجل يقول : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وقال : (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) فلم نجده بقي إلا ستة أشهر ، فقال عثمان رضياللهعنه : والله ما فطنت بهذا ، عليّ بالمرأة ، فوجدوها قد فرغ منها (١) ، فقال معمر : فو الله ما الغراب بالغراب ، ولا البيضة بالبيضة بأشبه منه بأبيه ، فلما رآه أبوه ، قال : ابني والله ، لا أشك فيه.
وروى ابن أبي حاتم أيضا عن ابن عباس رضياللهعنهما قال : إذا وضعت المرأة لتسعة أشهر ، كفاه من الرضاع أحد وعشرون شهرا ، وإذا وضعته لسبعة أشهر ، كفاه من الرضاع ثلاثة وعشرون شهرا ، وإذا وضعته لستة أشهر ، فحولين كاملين ، لأن الله تعالى يقول : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ، حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ).
(حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ ، وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) أي حتى إذا قوي وشب وارتجل ، فاستحكم عقله وقوته ، وذلك بين الثلاثين والأربعين ، وتناهي عقله ، وكمل فهمه وحلمه ببلوغ الأربعين سنة. وقوله (حَتَّى) غاية لمحذوف تقديره : فعاش أو طالت حياته حتى إذا بلغ الأشد ، أي القوة ، وذلك يكون بكمال قوته المادية والعقلية ، لذلك قيل : إنه لم ينبأ نبي قبل الأربعين إلا ابني الخالة عيسى ويحيى عليهماالسلام.
(قالَ : رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) أي إذا بلغ الأربعين قال : رب ألهمني ووفقني أن أشكر نعمتك التي أنعمت بها علي
__________________
(١) وفي رواية : أن عثمان رجع عن قوله ولم يحدّها ، أي أن الأمر تم قبل الحدّ.