البيت كما تستر الكعبة؟» قالوا : نحن يومئذ خير ، قال : «بل أنتم اليوم خير».
وذكر قتادة عن عمر رضياللهعنه ، قال : لو شئت كنت أطيبكم طعاما ، وأحسنكم لباسا ، ولكنني أستبقي طيباتي للآخرة ، لأن الله وصف قوما ، فقال : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ).
وعن عمر أن رجلا دعاه إلى طعام فأكل ، ثم قدّم شيئا حلوا فامتنع ، وقال : رأيت الله نعى على قوم شهواتهم ، فقال : (أَذْهَبْتُمْ) الآية ، فقال الرجل : اقرأ يا أمير المؤمنين ما قبلها : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ولست منهم ، فأكل وسرّه ما سمع.
وفي صحيح مسلم وغيره : أن عمر رضياللهعنه دخل على النبي صلىاللهعليهوسلم وهو في مشربته (١) حين هجر نساءه ، قال : فالتفت فلم أر شيئا يردّ البصر إلا أهبا (٢) جلودا معطونة ، قد سطع ريحها ، فقلت : يا رسول الله ، أنت رسول الله وخيرته ، وهذا كسرى وقيصر في الدّيباج والحرير؟ قال : فاستوى جالسا وقال : «أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجّلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا» فقلت : استغفر لي ، فقال : «اللهم اغفر له».
والخلاصة : أن الآية للنعي على الكفار الذين يعذبون بالنار ، وأن استمتاعهم بالطيبات في الدنيا ليحرموا منها في الآخرة ، عدلا من الله وفضلا ورحمة. وليس في الآية أن كل من أصاب الطيبات المباحات في الدنيا ، فإنه لا يكون له منها حظ في الآخرة ، والمؤمن يؤدي بإيمانه شكر المنعم ، فلا يوبّخ بتمتعه بالدنيا.
__________________
(١) المشربة : الموضع الذي يشرب منه الناس. والمشربة : الغرفة.
(٢) الأهب : جمع إهاب : وهو الجلد.