التفسير والبيان :
(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ، فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا : أَنْصِتُوا ، فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) أي واذكر أيها النبي لقومك حين وجهنا إليك يا محمدا نفرا من الجن ، وبعثناهم إليك ، لهداية قومهم ، فلما حضروا القرآن عند تلاوته ، أمروا بعضهم بعضا بالإنصات والإصغاء لكي يسمعوا سماع تدبر وتأمل وإمعان ، وكان ذلك ببطن نخلة على بعد ليلة من مكة على طريق الطائف ، وكانوا من أشراف جنّ نصيبين أو من نينوى بالموصل ، بعد عودة النبي صلىاللهعليهوسلم من الطائف حينما خرج يدعوهم إلى الإسلام.
فلما فرغ من تلاوة القرآن في صلاة الفجر ، رجعوا قاصدين إلى قومهم ، مخوفين إياهم من مخالفة القرآن ، ومحذرين لهم من عذاب الله.
والآية دالة على أنه صلىاللهعليهوسلم كان مرسلا إلى الجن والإنس ودلت روايات السنة على أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يشعر بحضورهم في هذه المرة في الليلة الأولى ، وإنما استمعوا قراءته ، ثم رجعوا إلى قومهم ، ثم بعد ذلك وفدوا إليه أرسالا ، قوما بعد قوم ، وفوجا بعد فوج.
من تلك الروايات الدالة على أنه صلىاللهعليهوسلم لم يشعر بحضورهم : ما ذكر سابقا عن ابن مسعود في سبب النزول ، ومنها ما رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن ابن عباس رضياللهعنهما قال : كان الجن يستمعون الوحي ، فيسمعون الكلمة ، فيزيدون فيها عشرا ، فيكون ما سمعوا حقا ، وما زادوا باطلا ، وكانت النجوم لا يرمى بها قبل ذلك ، فلما بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان أحدهم لا يأتي مقعده إلا رمي بشهاب يحرق ما أصاب ، فشكوا ذلك إلى إبليس ، فقال : ما هذا إلا من أمر قد حدث ، فبثّ جنوده ، فإذا بالنبي صلىاللهعليهوسلم يصلي بين جبلي نخلة ، فأتوه فأخبروه ، فقال : هذا الحدث الذي حدث في الأرض.