وأما ما رواه البخاري ومسلم عن مسروق قال : «سألت ابن مسعود ، من آذن النبي صلىاللهعليهوسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن قال : آذنته بهم الشجرة» فهو مؤيد لما سبق ، فإنه صلىاللهعليهوسلم لم يشعر بهم حال استماعهم حتى آذنته بهم الشجرة ، أي أعلمته باجتماعهم.
وهناك روايات كثيرة دالة على لقاء النبي صلىاللهعليهوسلم بالجن وتبليغهم رسالته وتلاوة القرآن عليهم (١) ، منها ما أخرجه أحمد ومسلم في صحيحة عن علقمة قال : قلت لعبد الله بن مسعود رضياللهعنه : هل صحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة الجن منكم أحد؟ فقال : ما صحبه منا أحد ، ولكنا فقدناه ذات ليلة بمكة ، فقلنا : اغتيل؟! استطير؟! ما فعل؟ قال : فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم ، فلما كان في وجه الصبح ـ أو قال : في السحر ـ إذا نحن به يجيء من قبل حراء ، فقلنا : يا رسول الله ، فذكروا له الذي كانوا فيه ، فقال : «إنه أتاني داعي الجن ، فأتيتهم ، فقرأت عليهم القرآن» فانطلق ، فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم.
وفي رواية عن عبد الله بن مسعود رضياللهعنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «بت الليلة أقرأ على الجن واقفا بالحجون».
وسورة الجن قاطعة الدلالة على استماع الجن القرآن ومطلعها : (قُلْ : أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ، فَقالُوا : إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ، فَآمَنَّا بِهِ ، وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) [١ ـ ٢].
وقال الله تعالى هنا :
(قالُوا : يا قَوْمَنا ، إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى ، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ، وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) قالت الجن : يا قومنا الجن : إنا سمعنا كتابا أنزله الله من بعد توراة موسى ، مصدقا لما قبله من الكتب المنزلة على
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير : ٤ / ١٦٤ ـ ١٦٩