(فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ، وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) أي فاصبر يا محمد على تكذيب قومك كصبر أولي الثبات والجد والعزيمة من الرسل وأنت من جملتهم ، وهم أصحاب الشرائع : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ، ولا تستعجل يا محمد العذاب لهم ، أي للكفار ، فإنه واقع بهم لا محالة. ومفعول الاستعجال محذوف ، وهو العذاب.
روى ابن أبي حاتم والديلمي عن مسروق قال : قالت لي عائشة رضياللهعنها : ظل رسول الله صلىاللهعليهوسلم صائما ، ثم طواه ـ أي ظل في يومه لا يأكل ولا يشرب ـ ثم ظل صائما ثم طواه ، ثم ظل صائما ، ثم قال : «يا عائشة ، إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ، ولا لآل محمد ، يا عائشة ، إن الله تعالى لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها ، والصبر عن محبوبها ، ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم ، فقال : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) وإني والله لأصبرن كما صبروا ، جهدي ، ولا قوة إلا بالله».
ونظير (لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) قوله تعالى : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ ، وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) [المزمل ٧٣ / ١١] وقوله سبحانه : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) [الطارق ٨٦ / ١٧].
(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ ، بَلاغٌ ، فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ)؟ أي كأن الكافرين حين يشاهدون ما أوعدهم الله به من العذاب ، لم يمكثوا في الدنيا إلا قدر ساعة من ساعات الأيام ، لما يشاهدونه من الأهوال العظام ، كما قال تعالى : (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ؟ قالُوا : لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ) [المؤمنون ٢٣ / ١١٢ ـ ١١٣] وقال عزوجل : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) [النازعات ٧٩ / ٤٦].
وهذا القرآن الذي وعظهم به الله تعالى والنبي : تبليغ كاف يقطع حجة