التفسير والبيان :
(حم ، تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) أي إنه تعالى كما بدأ سورة الجاثية هو الذي أنزل القرآن على عبده ورسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، وليس من عند محمد صلىاللهعليهوسلم كما يزعم المشركون ، وهو مع هذا التنزيل موصوف بالعزة التي لا يفوقها شيء ، فهو القوي القاهر الذي لا يغلب ، وهو الحكيم في تدبيره وصنعه وأقواله وأفعاله ، يضع كل أمر في موضعه. وإذا كان الأمر كذلك ، فما على الناس إلا الإيمان بالقرآن والتصديق بما جاء فيه ، والإيمان بصدق محمد صلىاللهعليهوسلم في نبوته ، وفيما دعا إليه من التوحيد الخالص ، وإثبات البعث والجزاء ، ودعوة الناس إلى سعادة الدنيا والآخرة ، والأخلاق الكاملة النافعة.
(ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) أي ما أوجدنا وأبدعنا السموات العلا ، والأراضي السفلى وما بينهما من سائر المخلوقات إلا خلقا ملتبسا بالحق الذي تقتضيه المشيئة الإلهية ، وليس على وجه العبث والباطل ، فليس خلقها عبثا ولا باطلا.
وقد خلقناها إلى مدة معينة محددة لا تزيد ولا تنقص ، وهي يوم القيامة ، فإن السموات والأرضين والمخلوقات تنتهي ، وتتبدل السموات والأرض بغيرها.
أما الذين جحدوا بالله ، بالرغم من هذه الأدلة ، ومن إنزال الكتب ، وإرسال الرسل ، فهم لا هون عما يراد بهم ، مولّون عما خوّفوا به في القرآن من البعث والحساب والجزاء ، غير مستعدين له ، وسيعلمون غب ذلك وعاقبته.
وبعد إثبات وجود الإله ووقوع الحشر والبعث يوم القيامة ، ردّ الله تعالى على عبدة الأوثان بقوله :
(قُلْ : أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ، أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ