محمد صلىاللهعليهوسلم ، فلم يقل فؤاده لما رآه : لم أعرفك ، وصدّق فؤاده ما عاينه ، ولم يشك في ذلك ، ولم يقل : إنه جن أو شيطان.
(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ، عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) أي لقد رأى محمد صلىاللهعليهوسلم جبريل نازلا مرة أخرى على صورته التي خلقه الله عليها ، وذلك ليلة الإسراء ، عند سدرة المنتهى التي هي في رأي الأكثرين وهو المشهور : شجرة في السماء السابعة ، وجاء في الصحيح أنها في السماء السادسة ، وإليها ينتهي علم الخلائق ، ولا يعلم أحد منهم ما وراءها ، وعندها الجنة التي تأوي إليها أرواح المؤمنين. والصحيح كما تقدم في سورة الإسراء : أن المعراج كان بالروح والجسد ، وليس بالروح فقط كما يرى بعضهم ، وإلا لما كان المعراج معجزة.
فتكون رؤية النبي صلىاللهعليهوسلم جبريل عليهالسلام على صورته الحقيقية مرتين : مرة في الأرض ومرة في السماء ، وأما في غير هاتين المرتين ، فكان يراه في صورة إنسان ، لأن عليه أيسر وأهون وأكثر أنسا.
وعلى هذا يكون ضمير (رَآهُ) ليس راجعا إلى الله تعالى ، بل إلى جبريل عليهالسلام ، فالآية تنفي أن يكون صلىاللهعليهوسلم رأى ربه سبحانه مطلقا ، ويؤكده قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) [الأنعام ٦ / ١٠٣] وقوله سبحانه : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) [الشورى ٤٢ / ٥١].
وقال بعضهم : الضمائر في (دَنا) ، و (فَتَدَلَّى) و (كان) و (أوحى) وكذا في (رَآهُ) : لله عزوجل ، ويشهد لهذا ما أخرجه البخاري عن أنس : «ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله ، حتى جاء سدرة المنتهى ، ودنا الجبار رب العزة ، فتدلى ، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إليه فيما أوحى خمسين صلاة». والراجح هو الرأي الأول بدليل ما أخرجه مسلم عن أبي ذر أنه