جعلوا كل واحدة بنتا. كما جاء في آية أخرى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً ، أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ، سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ ، وَيُسْئَلُونَ) [الزخرف ٤٣ / ١٩].
(وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) أي وليس لهم بذلك علم صحيح بصدق ما قالوه ، ولا معرفة ولا برهان ، فإنهم لم يعرفوهم ولا شاهدوهم ، ولا أخبرهم به مخبر مقبول الخبر ، بل قالوا ذلك جهلا وضلالة وجرأة ، وكذبا وزورا وافتراء وكفرا شنيعا.
(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ، وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) أي ما يتبعون في زعمهم إلا التوهم أو الظن الذي لا أساس له من الصحة ، وإن مثل هذا الظن لا يجدي شيئا ، ولا يقوم أبدا مقام الحق. جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث».
(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) أي فأعرض أيها الرسول عمن أعرض عن القرآن أو تذكير الله ، ولم يكن همّه إلا الدنيا ، وترك النظر إلى الآخرة ، أي فاترك مجادلتهم والاهتمام بشأنهم ، فقد بلّغت ما أمرت به ، وليس عليك إلا البلاغ. وقوله تعالى : (وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) يشير إلى إنكارهم الحشر ، كما قالوا : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) [الأنعام ٦ / ٢٩] وقال تعالى : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا) [التوبة ٩ / ٣٨].
(ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) أي إن أمر الدنيا وطلبها هو منتهى ما وصلوا إليه من العلم ، فلا يلتفتون إلى ما سواه من أمر الدين. روى الإمام أحمد عن أم المؤمنين عائشة رضياللهعنها قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له» وفي الدعاء المأثور : «اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا».