(فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) أي فدعا نوح الله ربّه قائلا : إني ضعيف عن مقاومة هؤلاء ، فانتصر أنت لدينك ، وانتقم لي منهم بعقاب من عندك.
وقد طلب النصرة عليهم ، بعد أن علم تمردهم وعتوهم وإصرارهم على الضلال. فأجاب الله دعاءه قائلا :
(فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ (١) مُنْهَمِرٍ) أي صببنا عليهم ماء غزيرا كثيرا متدفقا. وهذا التعبير مجاز عن كثرة انصباب الماء من السماء ، كما يقال في المطر الوابل : جرت ميازيب السماء ، وفتحت أبواب القرب.
(وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً ، فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) أي وجعلنا الأرض كلها عيونا متفجرة وينابيع متدفقة ، فالتقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قضي عليهم ، أي على أمر مقدر عليهم من الأزل ، لما علم الله من حالهم.
وهذا دليل على عقابهم والانتقام منهم ، ثم ذكر تعالى كيفية إنجاء نوح ، فقال :
(وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) أي وحملنا نوحا على سفينة (ذاتِ أَلْواحٍ) : وهي الأخشاب العريضة ، (وَدُسُرٍ) : وهي المسامير التي تشد بها الألواح. وهذا الإيجاز من فصيح الكلام وبديعه.
ونظير الآية قوله تعالى : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) [العنكبوت ٢٩ / ١٥].
(تَجْرِي بِأَعْيُنِنا ، جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) أي تسير بمنظر ومرأى منا وحفظ وحراسة لها ، جزاء لهم على كفرهم بالله ، وانتصارا لنوح عليهالسلام ، لأنه نعمة من الله ، وتكذيبه كفران أو جحود لتلك النعمة.
__________________
(١) الباء للآلة نحو فتحت الباب بالمفتاح ، يفتح الله لك بخير.