(وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) أي وجعلوا في أموالهم جزءا مقسوما معينا للفقراء والمحتاجين على سبيل البرّ والصلة ، والسائل : هو الفقير الذي يبتدئ بالسؤال ، والمحروم : هو الذي يتعفف عن السؤال ، فيحسبه الناس غنيا ، فلا يتصدّقون عليه.
أخرج الشيخان (البخاري ومسلم) في صحيحيهما عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ليس المسكين بالطواف الذي تردّه اللّقمة واللقمتان ، والتّمرة والتمرتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ، ولا يفطن له ، فيتصدق عليه» وفي لفظ آخر أخرجه ابن جرير وابن حبان وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ليس المسكين الذي تردّه التمرة والتمرتان ، والأكلة والأكلتان ، قيل : فمن المسكين؟ قال : الذي ليس له ما يغنيه ، ولا يعلم مكانه ، فيتصدق عليه ، فذلك المحروم».
وللسائل حق ، أخرج الإمام أحمد وأبو داود عن الحسين بن علي رضياللهعنهما قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «للسائل حق ، وإن جاء على فرس».
والمشهور في الحق : أنه هو القدر الذي علم شرعا ، وهو الزكاة ، وهذا ما رجحه ابن العربي والجصاص الرازي وغيرهما أخذا بقول ابن عباس : نسخت الزكاة كل صدقة. وقال محمد بن سيرين وقتادة : الحق هنا : الزكاة المفروضة. قال القرطبي : والأقوى في هذه الآية أنها الزكاة ، لقوله تعالى في سورة المعارج : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [٢٤ ـ ٢٥] والحق المعلوم : هو الزكاة التي بيّن الشرع قدرها وجنسها ووقتها ، فأما غيرها لمن يقول به ، فليس بمعلوم ، لأنه غير مقدّر ولا مجنّس ولا موقّت (١).
__________________
(١) أحكام القرآن للجصاص : ٣ / ٤١٢ ، أحكام القرآن لابن العربي : ٤ / ١٧١٨ ، تفسير الرازي : ٢٨ / ٢٠٥ ، تفسير القرطبي : ١٧ / ٣٨