هذا ولم يؤمن بلوط من قومه أحد ، ولا رجل واحد ، حتى ولا امرأته أصابها ما أصاب قومها ، وخرج نبي الله لوط وبنات له من بين أظهرهم سالما لم يمسسه سوء.
وكان سبب نجاتهم شكرانهم النعمة ، فقال تعالى :
(نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا ، كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) أي لقد أنجيناهم إنعاما منا عليهم ، وتكريما لهم ، ومثل ذلك الجزاء الحسن ، نجزي من شكر نعمتنا ولم يكفرها ، بأن آمن وأطاع أمرنا ، واجتنب نهينا.
ثم بين الله تعالى عدله في العقاب وهو مجيئه بعد إنذار ، فقال :
(وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا ، فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ) أي ولقد أنذرهم نبيهم بطشة الله بهم ، وهي عذابه الشديد ، وعقوبته البالغة ، قبل حلوله بهم ، إن لم يؤمنوا ، فما التفتوا إلى ذلك ولا أصغوا إليه ، بل شكوا في الإنذار ولم يصدقوه ، وكذبوه.
ثم ذكر الله تعالى جرما آخر لهم عدا الكفر والتكذيب ، فقال :
(وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ ، فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ ، فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) أي لقد أرادوا منه تمكينهم ممن أتاه من الضيوف الملائكة الذين جاؤوا في صورة شباب مرد حسان ، ليفجروا بهم ، كما هو دأبهم ، إذ قد بعثت امرأته العجوز السوء إلى قومها ، فأعلمتهم بأضياف لوط ، فأقبلوا يهرعون إليه من كل مكان ، فأغلق لوط دونهم الباب ، فجعلوا يحاولون كسر الباب عشية الليل ، ولوط عليهالسلام يدافعهم ويمانعهم دون أضيافه ، وأرشدهم إلى نسائهم الذين هم بمثابة بناته ، وهو لهم كالأب.
فلما اشتد الخلاف ، وأبوا إلا الدخول ، طمس الله أبصارهم ، فأصبحوا لا يرون شيئا ، فرجعوا على أدبارهم ، يتحسسون بالحيطان ، ويتوعدون لوطا عليهالسلام ، إلى الصباح.