وقد تنوعت عبارات القرآن في بيان هذا ، باعتبار مراتب الخلق : (مِنْ تُرابٍ) ، (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) أي طين متغير ، أو (مِنْ طِينٍ لازِبٍ) أي لاصق باليد ، من صلصال ، فهذا إشارة إلى أن آدم عليهالسلام خلق أولا من التراب ، ثم صار طينا ، ثم حمأ مسنونا ، ثم لازبا ، ثم كالفخار ، فكأنه خلق من هذا ومن ذاك ، ومن ذلك.
(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) أي وأوجد الجنّ من طرف النار ، وهو المارج ، أي الشعلة الصاعدة ذات اللهب الشديد ، التي لا لهب فيها ، المختلط الألوان المضطرب ، كالأصفر ، والأحمر ، والأخضر وغيرها. أخرج الإمام أحمد ومسلم عن عائشة قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجانّ من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم».
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأي نعم الله يا معشر الثقلين : الإنس والجن تكذبان أو تنكران مما هو واقع ملموس؟!
(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) أي ربّ مشرقي الشمس في الصيف والشتاء ، وربّ مغربي الشمس في الصيف والشتاء ، وبهما تتكون الفصول الأربعة ، وتختلف أحوال المناخ من برد وحرّ واعتدال ، وغير ذلك من المنافع العظيمة للإنسان.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأي نعم الله هذه تكذبان أو تنكران؟ وأما قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) [المعارج ٧٠ / ٤٠] فذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم وبروزها منه إلى الناس. وقوله سبحانه في آية أخرى : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) [المزمل ٧٣ / ٩] ، فالمراد منه جنس المشارق والمغارب.
ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس