(فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ ، فَصَكَّتْ وَجْهَها ، وَقالَتْ : عَجُوزٌ عَقِيمٌ) أي فلما سمعت امرأته سارّة بشارتهم ، وكانت في ناحية من البيت تسمع كلامهم ، أقدمت صائحة صارخة ، وضربت بيدها على وجهها ، كما هي عادة النساء عند التعجب ، وقالت : كيف ألد ، وأنا كبيرة السن ، وعقيم لا تلد ، حتى في عهد شبابها ، كما جاء في آية أخرى : (قالَتْ : يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ ، وَهذا بَعْلِي شَيْخاً ، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) [هود ١١ / ٧٢].
(قالُوا : كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ : إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) أي كما قلنا لك وأخبرناك قال ربّك ، فلا تشكّي في ذلك ، ولا تعجبي منه ، فنحن رسل الله ، والله على كل شيء قدير ، وهو الحكيم في أقواله وأفعاله ، العليم بما تستحقونه من الكرامة وبكل شيء في الكون ، كما جاء في آية أخرى : (قالُوا : أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ ، رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ، إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) [هود ١١ / ٧٢].
وهذه المفاوضة لم تكن مع سارّة فقط ، بل كانت مع إبراهيم أيضا ، حسبما تقدم في سورة الحجر (٥٣ ـ ٥٤) وإنما لم يذكر هنا اكتفاء بما ذكر هناك ، كما أنه لم يذكر هناك اكتفاء بما ذكر هنا وفي سورة هود (٧٢).
ويكون استبعادها الولد لسببين : كبر السن ، والعقم ، فكأنها قالت : يا ليتكم دعوتم دعاء قريبا من الإجابة ، ظنا منها أن ذلك منهم ، مثلما يصدر من الضيف من مجاملات الأدعية ، كقوله : الله يعطيك مالا ويرزقك ولدا ، فقالوا : هذا منا ليس بدعاء ، وإنما ذلك قول الله تعالى : (قالُوا : كَذلِكَ ، قالَ رَبُّكِ) ثم دفعوا استبعادها بقولهم : (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) (١).
والسبب في اختلاف تذييل الآيتين حيث قال هنا : (الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) وفي هود قال: (حَمِيدٌ مَجِيدٌ) : أنهم في سورة هود نبهوها إلى القيام بشكر نعم الله ،
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢٨ / ٢١٥