(وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ ، وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي والله سبحانه مع عباده بقدرته وسلطانه وعلمه ، أينما كانوا في البر والبحر والجو ، والله رقيب عليهم بصير بأعمالهم ، لا يخفى عليه شيء منها.
قال أبو حيان : وهذه آية أجمعت الأمة على هذا التأويل فيها ، وأنها لا تحمل على ظاهرها من المعية بالذات ، وهي حجة على من منع التأويل في غيرها ، مما يجري مجراها من استحالة الحمل على ظاهرها (١).
(لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أي هو المالك للدنيا والآخرة. كما قال تعالى : (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) [الليل ٩٢ / ١٣] فلا راد لقضائه ، ولا معقّب لحكمه ، وهو المحمود على ذلك كما قال تعالى : (وَهُوَ اللهُ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) [القصص ٢٨ / ٧٠] ومرجع جميع الأمور إلى الله وحده لا إلى غيره يوم القيامة ، فيحكم في خلقه بما يشاء ، وهو العادل الذي لا يجور ، ولا يظلم مثقال ذرة.
وقوله : (لَهُ مُلْكُ ..) هذا التكرير للتأكيد ، أو أنه وما بعده ليس بتكرار ، لأن الكلام الأول في الدنيا لقوله : (يُحْيِي وَيُمِيتُ) والثاني في العقبى والآخرة لقوله : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ).
(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ ، وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ، وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي إن الله سبحانه هو المتصرف في الخلق ، يقلّب الليل والنهار ، ويقدرهما بحكمته كما يشاء ، فتارة يطول الليل ، ويقصر النهار ، وتارة بالعكس ، وتارة يتركهما معتدلين ، وتتوالى الفصول الأربعة بحكمته وتقديره لما يريده بخلقه ، وهو يعلم السرائر وضمائر الصدور ومكنوناتها ، وإن خفيت ، لا يخفى عليه من ذلك خافية ، سواء الظاهر والباطن.
__________________
(١) البحر المحيط : ٨ / ٢١٧