(وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) خلقناه وأخرجناه من المعادن. (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) أي تتخذ منه آلات الحرب والصناعات الثقيلة والمباني الضخمة ونحو ذلك ، والبأس : القوة. (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) يدخل في صناعات كثيرة مفيدة للناس. (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) علم مشاهدة وظهور في الواقع الحاصل. (مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ) من ينصر دينه وينصر رسله باستخدام الأسلحة وآلات الحرب من الحديد وغيره في مجاهدة الكفار الأعداء. (بِالْغَيْبِ) غائبا عنهم في الدنيا ، قال ابن عباس : ينصرونه ولا يبصرونه. (إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) على إهلاك من أراد إهلاكه. (عَزِيزٌ) لا حاجة له إلى نصرة عباده ، وإنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به وينالوا ثواب الامتثال فيه.
المناسبة :
بعد بيان حال الدنيا وحال الآخرة ، أراد الله تعالى أن يبين الغرض من بعثة الرسل المؤيدين بالمعجزات والحجج القاطعات ، ويرشد إلى مقومات الرسالات والشرائع الإلهية لتنظيم حياة المجتمعات ، وإعزاز دين الله ونصرة رسله.
وأما وجه المناسبة بين الكتاب والميزان والحديد في الآية ، فإن العلماء ذكروا وجوها سبعة أظهرها : أن الدين إما اعتقادات أو معاملات أو أصول وفروع ، والاعتقادات أو الأصول لا تتم إلا بالكتاب السماوي ، لا سيما إذا كان معجزا ، والمعاملات أو الفروع لا تصلح ولا تنتظم إلا بالميزان وهو العدل ، ولا بد من مؤيد يحمي نظم الشرائع ، وذلك المؤيد هو الحديد لتأديب من ترك الأصلين أو الطريقين ، وهما الاعتقاد ونظام التعامل (١).
وهذا إشارة إلى أن الكتاب يمثل سلطة التشريع ، والعدل يمثل سلطة القضاء ، وإنزال الحديد يمثل السلطة التنفيذية.
التفسير والبيان :
(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) أي تالله لقد أرسلنا الملائكة إلى الأنبياء بالوحي ، والأنبياء إلى أممهم
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢٩ / ٢٤٠ وما بعدها ، غرائب القرآن للنيسابوري : ٢٧ / ١٠١ وما بعدها.