٦ ـ دل قوله تعالى : (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) على أن الكفر إذا غلب ، والفسق إذا عمّ وفشا ، لا تنفع معه عبادة المؤمنين. أما لو كان أكثر الخلق على الطريقة المستقيمة ، وفيهم شرذمة يسيرة يسرقون ويزنون ، فلا عذاب.
٧ ـ المؤمنون والمسلمون من آل لوط سواء ، لكن في الحقيقة : الإيمان : تصديق القلب ، والإسلام : هو الانقياد بالظاهر لأحكام الله ، فكل مؤمن مسلم ، وليس كل مسلم مؤمنا ، فسمّاهم تعالى في الآية الأولى مؤمنين ، لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم. قال الرازي مؤيدا التفرقة بين الإيمان والإسلام : والحق أن المسلم أعم من المؤمن ، وإطلاق العام على الخاص لا مانع منه ، فإذا سمي المؤمن مسلما لا يدل على اتحاد مفهوميهما ، فكأنه تعالى قال : أخرجنا المؤمنين ، فما وجدنا الأعم منهم إلا بيتا من المسلمين ، ويلزم من هذا ألا يكون هناك غيرهم من المؤمنين.
٨ ـ إن في تعذيب قوم لوط على الكفر وفاحشة اللواط عبرة وعلامة لأهل ذلك الزمان ومن بعدهم ، غير أن المنتفعين بالعظة والعبرة هم الذين يخشون الله ويخافون عقابه ، والمنتفع بها هو الخائف. وقد عبر عن ذلك في آية أخرى بأبلغ وجه حيث قال تعالى : (وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [العنكبوت ٢٩ / ٣٥] فقد وصف الآية بالظهور ، وقال : (مِنْها) لا (فيها) المفيدة للتبعيض ، فكأنه تعالى قال : من نفسها لكم آية باقية ، وذكر أن المنتفع هو العاقل ، والعاقل أعم من الخائف ، فكانت الآية في العنكبوت أظهر ، لأن القصد هناك تخويف القوم ، وهاهنا تسلية القوم ، ويؤكده أنه قال هناك : (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) من غير بيان واف بنجاة المسلمين والمؤمنين بأسرهم ، وقال هنا : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ).