ثم ذكر الله تعالى قصة عاد ، فقال :
(وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ، ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) أي وتركنا أيضا في قصة عاد آية وعبرة ، حين أرسلنا عليهم ريحا صرصرا عاتية ، لا خير فيها ولا بركة ، لا تلقح شجرا ، ولا تحمل مطرا ، إنما هي ريح الإهلاك والعذاب ، فلا تترك شيئا مرّت عليه من الأنفس البشرية والأنعام والأموال إلا جعلته كالشيء الهالك البالي.
ثم أبان الله تعالى قصة ثمود ، فقال :
(وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ : تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ) أي وتركنا في قصة ثمود آية ، حين قلنا لهم : عيشوا متمتعين في الدنيا إلى وقت الهلاك ، كما قال تعالى : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) [هود ١١ / ٦٥].
فتكبروا عن امتثال أمر الله ، فنزلت بهم صاعقة من السماء أهلكتهم ، والصاعقة : هي كل عذاب مهلك ، وهم يرونها عيانا بالنهار ، أو هم ينتظرون ما وعدوه من العذاب ، وذلك أنهم انتظروا العذاب ثلاثة أيام ، فجاءهم في صبيحة اليوم الرابع بكرة النهار ، جزاء وفاقا لما اقترفوا من آثام ومعاص.
(فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ ، وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) أي لم يقدروا على القيام والهرب من تلك الصرعة ، بل أصبحوا في دارهم هلكى جاثمين ، ولم يكونوا ممتنعين من عذاب الله ، ولم يجدوا نصيرا ينصرهم ويدفع عنهم العذاب.
ثم أعقبه بقصة قوم نوح ، فقال :
(وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ ، إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) أي وأهلكنا بالطوفان قوم نوح من قبل هؤلاء ، لتقدم زمنهم على زمن فرعون وعاد وثمود ، لأنهم كانوا قوما خارجين عن طاعة الله ، متجاوزين حدوده.