وبعد الرد على إنكار الألوهية ، رد الله تعالى على من قال : الملائكة بنات الله ، فقال :
(أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) أي بل أتجعلون لله البنات ، وتخصون أنفسكم بالبنين؟ وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد ، فمن كان هذا رأيه لا يعدّ من العقلاء ، ولا يستبعد منه إنكار البعث ، وجحد التوحيد.
(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً ، فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) أي بل أتسألهم أجرة يدفعونها إليك على تبليغك الرسالة ، فهم من التزام غرامة تطلبها منهم محمّلون غرما ثقيلا ، فلا يسلمون ولا يجيبون دعوتك؟ الواقع لست تسألهم على ذلك شيئا ، ولا تطلب منهم أدنى شيء يشق عليهم ويثقلهم. وهذا يدل على أنه لم يطلب منهم أجرا ما.
(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) أي بل أيدّعون أن عندهم علم الغيب ، وهو ما في اللوح المحفوظ ، فيكتبون للناس ما أرادوا من علم الغيب؟ ليس الأمر كذلك ، فإنه لا يعلم أحد الغيب إلا الله. قال قتادة : لما قالوا : نتربص به ريب المنون ، قال الله تعالى : (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) حتى علموا متى يموت محمد صلىاللهعليهوسلم ، أو إلى ما يؤول إليه أمره.
(أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) أي إن كنتم تعلمون الغيب فأنتم كاذبون ، وإن كنتم تظنون أنكم تقدرون عليه ، فأنتم غالطون ، فإن الله يصونه عنكم وينصره عليكم ، فإن كنتم تريدون تدبيرا أو مكرا برسول الله صلىاللهعليهوسلم لإهلاكه ، فالكافرون هم الممكور بهم ، المجزيون بكيدهم. ولام (فَالَّذِينَ كَفَرُوا) لهؤلاء الكفار أو للجنس ، فيشملهم وغيرهم. وتنكير الكيد إشارة إلى وقوع العذاب بغتة من حيث لا يشعرون. وصرح بقوله : (فَالَّذِينَ كَفَرُوا) للدلالة على كون الكافر مكيدا في مقابلة كفره ، لا في مقابلة إرادته الكيد.