ففي الجاهلية كان شجاعاً بطبعه ، بل في طليعة الشجعان المغامرين ، فالمعروف عنه أنه كان فارس ليل ، لا يعرف معنى الخوف ولا الوجل ، يغير على الحي ، وعلى القوافل ، فيصيب منها ، ثم يرجع الى مقره .
روى بن سعد في الطبقات ، بسنده :
كان أبو ذر رجلا يصيب الطريق ، وكان شجاعاً يتفرد وحده بقطع الطريق ، ويغير على الصرم * في عماية الصبح على ظهر فرسه ، أو على قدميه ، كأنه السبع ، فيطرق الحي ويأخذ ما أخذ . ثم إن الله قذف في قلبه الاسلام ١ .
وهذه الرواية لا تنافي كونه كان متعبداً قبل الاسلام ، يتألَّه ويعبد الله وحده ، فمما لا يخفى على الباحث والمطلع ، أن هناك أموراً كانت سائدة لدى العرب في الجاهلية وكانوا متسالمين على أكثرها فأقرَّ الاسلام بعضها ، ونهى عن بعضها الآخر ، فكان من جملة ما نهى عنه الاسلام هذه الخصال الذميمة وهي قطع الطرق ، والإغارة على الناس في مآمنهم . فانتهى عنها المسلمون . ولا مانع من أن يكون أبو ذر متعبداً قبل الاسلام بسنوات ، ويفعل بعض هذه الأعمال ، ثم انتهى عنها حين نهى الاسلام عنها ! إنه لا مانع من ذلك قط ، ولا يُخلُّ هذا بشرفه ومكانته . هذا ، اذا لم نقل بأنه كان يفعل ذلك مع الفئات والقبائل التي تعبد الأصنام ، استحلالا منه لذلك . فمن يدري ؟
وحين اسلم أبو ذر ، زاده الاسلام شجاعة الى شجاعته ، ومنحه زخماً
__________________
* الصَّرم : الفرقة من الناس ليس بالكثير .
(١) أعيان الشيعة ١٦ / ٣٢٠ .