فلم يكن لهما في هذا المسرح إلّا العصيان والمواراة الثانية للسوئات (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) وأما لبس لباس الجنة ، وأما نزعها ، فلا شيء منهما كان منهما ، وانما اللبس منذ البداية لموارات السوءة فلا يعرفاها فيسوءاها لكرامة الجنة ولباس الخلافة ، ثم النزع في النهاية ليعرفاها فيسوءاها ويعلما أنهما على سوء والى سوء إلّا أن يتبعا الهدى!.
(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٣٧).
٨ ـ وما هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ومتى تلقاها؟
إن الكلمات هي كلمات التوبة وقد تلقاها آدم بين أمرين جماعيين بالهبوط : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ. فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
فقد تلقى آدم كلمات من ربه بعد العصيان وقبل الهبوط ، وتاب الله عليه كذلك قبل الهبوط ، فلم تكن التوبة بالتي تنفعه في البقاء في الجنة ، اللهم إلّا غفرا عن ذنبه فلا يعذب في دار الخلد ، وأما الدنيا (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً ..) إنها دار عمل دون جزاء ، كما الآخرة دار جزاء ولا عمل.
ولأن اجتباءه بما تاب عليه وهدى كان في الجنة وقبل الهبوط (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى. قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً ..) فلتكن بداية نبوته في الجنة وان كانت رسالته باتساع نبوته بعد الهبوط عن الجنة : (قالَ اهْبِطا ... فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) فهنالك له هدى واجتباء قبل الهبوط ، علّهما النبؤة دون رسالة ، وهنا هدى عامة بعد الهبوط هي الرسالة بعد