تنحو منحى نفي كل ما عندنا وفي عالمنا وحدود تصوراتنا وإدراكاتنا عن ساحة قدسه ، فالصفات الثبوتية تؤوّل الى السلبية من نوع آخر ، فهو إذا «خارج عن الحدين حد الإبطال وحد التشبيه» لا منفيّ إطلاقا ، ولا مثبت له شبيه ، فما أجمله وأحلاه : «التسبيح بالحمد»!
ثم (وَنُقَدِّسُ لَكَ) تعني ما تعنيه و (نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) وزيادة : أننا نعيش تقديسا لذاتك وصفاتك وتصرفاتك ، وفي أنفسنا تعبدا لك وخشوعا ، وفي أفعالنا اتباعا لك وبخوعا.
ولكن ترى هل تكفي حياة التسبيح بحمد الله والتقديس لله لحدّ ثابت ومقام معلوم : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) لسان قال لهم يكشف عن حالهم الثابت إذ تدوم دونما تقدّم.
ثم وهل تكفي هذه دون معرفة لائقة بجناب قدسه؟ وفي هذه الخليفة الأرضية من هم فوقهم في هذه وتلك رغم أنهم سماويون؟
إذا فالجواب : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) هو على إجماله كلّ الجواب ، عن سؤال الإفساد والسفك ، ورعونة التسبيح بالحمد والتقديس ، بما علم آدم الأسماء كلها ، وبما أنبأهم آدم الأسماء كلها :
(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣)).
وها نحن مع الملائكة ننظر بعين البصيرة ، ونسمع بأذن صاغية ، ونعي بقلوب واعية في ومضات الاستشراف ، ما هذا السرّ الإلهي الذي اختصه الله بهذه الخليفة الأرضية ، التي تخضع لديها رسل السماء الملائكية ، وهو