لا كذب متعمد ، فإنهم سألوا جاهلين كأن فيهم الكفائة فلما ذا هذه الخليفة؟ فقد كذبوا قاصرين لا مقصرين ، وهكذا كذب يشمل العالمين أجمعين : ان يجهلوا كثيرا مما يعلمه رب العالمين ، فمنهم من يبرزه بسؤال وسواه كهولاء الملائكة ، ومنهم من لا يسأل كالرعيل الأعلى من النبيين.
ثم ومن نقد الملائكة الخليفة الأرضية : (يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) ومقابلتهم لهذا النقد بما لهم : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) نعرف أن الشر كله يختصر في الإفساد والسفك ، والخير كله في التسبيح بالحمد والتقديس لله ، فليكن صحيحا مصدّقا عند الله إلّا في الآخرين ، أن المعرفة هي القمة في الخير ، التي تنتج تسبيحا بالحمد وتقديسا أعلى وأحرى.
فالإفساد في الأرض يشمل كل فساد فردي يفسد فاعله ، وجماعيّ يفسد مجتمعه ، نفسيا أم ماديا ، ومن أظهره جمعا بينها سفك الدماء فانه جماع الإفساد.
ولماذا تسبيح بالحمد وليس التسبيح وليس الحمد والتسبيح والحمد؟ أقول : لأن تسبيحه فقط دون حمد نفي بلا إثبات ، والنفي ذريعة الإثبات ، والحمد دون تسبيح إثبات ناقص لأنه إثبات بحدود المعرفيات ووصف له تعالى محدود (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) وكذلك التسبيح والحمد دون رباط ، حيث التسبيح ينفي والحمد لا يثبت ما يليق بساحته.
فأما التسبيح بحمده ، فأن نحمده مسبحين منزهين لساحة قدسه عن إثباتياتنا المحدودة ، وإنما : عالم ـ ليس يجهل. قادر ـ ليس يعجز. موجود ـ ليس بمعدوم .. وهكذا في كافة صفاته الثبوتية ، ألّا نصفه في حدود أفكارنا بما نعرفه ونأنسه من صفات وإثباتات ، وإنما نسبحه بحمده : ننزهه في حمدنا إياه عما هو لزام حمدنا من حدود وتخيلات ، فانما إثباتاتنا