نعرفها ، عرفتها الملائكة من ذي قبل فضاقت بها ذرعا ففرحت بانقراضها ، فرحة العبد لمولاه إذ يجده يعبد ولا يعصى ، ثم تضايقت من جعل خليفة لها ، دون ان تحسب حسابا لخلفيات سؤالها فجهّلهم الله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) أن قد تكون هذه الخليفة أعلى منكم في عبادة ربها ، مهما كان فيها ببعض أنسالها فساد وسفك للدماء.
وترى أن سؤالها هذا يتنافى وعصمتهم ، أن اعترضوا على الله لماذا الخليفة؟ واغتروا بما عرضوا من تسبيحهم وتقديسهم؟ وقد كذبوا كما قال الله : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وهم كما يعرفنا الله : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (٢١ : ٢٦) فكيف سبقوه بقولة السؤال دون نظرة الإيضاح من الله و (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (١٦ : ٥٠) فكيف لم يخافوه إذ سألوه ، وكيف فعلوا ما فعلوه ولم يؤمروا؟.
إن السؤال ليس نصا ولا ظاهرا في الاعتراض ، فإنما سألوا استيضاحا إذ جهلوا كيف (جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)؟ ثم وذكر النعمة والرحمة ليس اغترارا بل والتحديث بها مكرمة (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) وكان ذكرها تتمة السؤال : إن كان جعل الخليفة للعبادة فنحن لها ، وان كان غير ذلك فبين لنا.
ثم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وان كان تلميحا بالكذب ، ولكنه كذب جاهل
__________________
«سبحانك ا تجعل فيها ...».
وفيه (٥٩) عن كتاب التوحيد للصدوق عن أبي جعفر (عليه السلام) حديث طويل يقول في آخره : لعلك ترى أن الله انما خلق هذا العالم الواحد؟ او ترى ان الله لم يخلق بشرا غيركم؟ بلى والله لقد خلق الف الف عالم والف الف آدم أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميين.