وهذه الخماسية الخميصة للفقراء أخمص من فقرهم ، واغنى من غنى الأغنياء ، هذه تجعل الإنفاق إليهم في أعلى القمم.
وتلك هي صورة عميقة الإيحاء يرسمها ذلك النص الجلي العلي على اختصاره ، ترسم كل الملامح والسمات لتلك الوجوه المضيئة بإشراقه الإيمان ، المليئة من الاستحياء على بأسها وبؤسها في حاجيات الحياة المعيشية ، وكأنك تراها من خلال هذه الجملات الجميلة.
وهم أولاء أفضل من ينفق لهم ، وأحرى من تخفي لهم صدقاتهم ، حفاظا على كرامتهم، (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) :
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢٧٤).
هنا تتقدم «سرا» على «علانية» تأشيرا لتقدّمه عليها كأصل إلّا ما خرج بالدليل ، فان في انفاق السر حفاظا على صالح النية ، وعلى كرامة الفقير ، مهما كان انفاق العلانية تشجيعا لسائر الناس في الإنفاق ، ولكن (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً ...).
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي
__________________
ـ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من يزيد على درهم ، مرتين او ثلاثا؟ قال رجل : انا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما للأنصاري وقال : اشتر بأحدهما طعاما فانبذه الى أهلك واشتر بالآخر قدوما فأتني به فأتاه فشد فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عودا بيده ثم قال : اذهب فاحتطب وبع فلا أرينك خمسة عشر يوما ففعل فجاءه وقد أصاب عشرة دارهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا خير لك من ان تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة ان المسألة لا تصلح الا لثلاث.