وإن أوّل ما يتهدم بالربا من بنايات المجتمع الإنساني ـ قبل تهدم الأركان الاقتصادية ـ هو العطف والخلق الإنسانية ، وكل قواعد التصور الإيماني ، انتفاعا عارما من كدح الآخرين والمرابي مرتاح في قصر الرعونة والترح ، لا يراعي للكادحين الفقراء وسواهم إلّا ولا ذمة ، ولا يراقب فيهم عهدا ولا حرمة ، راجعة إليهم حصيلة البشرية ككل ودون إبقاء إلّا عملا دائبا بلقمة مريرة بين موت وحياة ، يشربون دمائهم بكل امتصاص ، ويرون دموعهم قائلين لا مساس ، أم قد يحظون حظوة من بؤس الجياع دونما احتراس.
وهم أولاء لا يملكون ـ فقط ـ المال وحده ، وخيوط الثروة العالمية وحدها ، بل ويمتلكون بدولة المال بينهم دولة الحال بالسلطة الزمنية ، بل والروحية المختلفة ، ساخرين من حكاية الأديان والأخلاق وسائر المبادي والمثل الإنسانية والإيمانية ، باذلين أموالهم بكل ابتذال في مستنقعات آسنة من الملذات والشهوات ، جارفين معهم سائر الناس إلى حيونات رذيلة ، صادين عن كل فضيلة.
ومن أعظم الكوارث في الجاهلية الثانية المتحضرة استخدام كل وسائل الإعلام الحديثة لإنشاء عقلية دخيلة شاملة بين جماهير المستضعفين ، الذين يأكل هؤلاء عظامهم ولحومهم ، ويشربون عرقهم ودماءهم في ظل النظام الربوي ، قيلة عارمة تجعلهم يعترفون أن هذا النظام هو الوحيد الصالح للنمو الاقتصادي ، وأن من بركاته هذه الحضارة الغربية المتقدمة ، وأن من يريدون إبطاله هم جماعة خياليون لا رصيد لهم في صالح الحياة!.
وقد يقال إن رأس المال في الربا هو العمل المتبلور المتمثل في النقود ، فكما العمل له أجرة ، كذلك ما يمثله إذ هو حصيلته.
كما أنك تسعى وتحصل على مال تشتري به دارا ولك أن تؤجرها ، فإنهما