وفي قول فصل لا تعني «ما سلف» إضافة إلى عناية الغفران ، إلّا الذي تلف من مال الربا عينا أو بديلا إذا لم يعد فليحاسب رأس ماله حين أخذ يأكل الربا ، فكل ما زاد يرد ، ثم لا يبقى إلّا (رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) شريطة التوبة ، وإلّا فليس لكم إلّا ما تبقّى من رأس المال ورعاية لحساب كل ما أخذتم من الربا ، فإن وفى رأس المال فلا رأس مال ، وإن نقص عما أخذتم فأنتم فيه مدينون ، وإن زاد فلكم ـ فقط ـ الزيادة ، فإنما العفو عن رأس المال هو بديل التوبة ترغيبا إليها ، وإبقاء لما تعملون فيه لحاجيات الحياة ، ثم (أَمْرُهُ إِلَى اللهِ) أمر ما سلف كما أمره هو نفسه ، والله هو الذي يرضي صاحب الحق يوم الأخرى بما يرى.
وحين ندرس الأمر في (أَمْرُهُ إِلَى اللهِ) بدقة نجد أمورا وأوامر عدة ، فمن الأمور ١ (وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) نقضا ل (فَلَهُ ما سَلَفَ) ذنبا ودينا ، ومنه ٢ (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) ومن محق الربا الحكم بردها إلى أصحابها فلا تبقى ربا ولا رأس
__________________
ـ إلّا أن يعني أنه مجهول ولا يعرف أهله ، أم وبأبعد تأويل يجهل أن فيما أورثه ربا ، وينافيه قوله : «وقد أعرف أن فيه ربا» وأما تخصيص (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) أن حرمة ما زاد خاصة بعين مال الربا فمرفوض بنص الآية.
ومنها المروي عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه قال : إن رجلا أربى دهرا من الدهر فخرج قاصدا إلى أبي جعفر (ع) ـ يعني الجواد (ع) ـ فقال له : مخرجك من كتاب الله (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) والموعظة هي التوبة لجهله بتحريمه ثم معرفته به فما مضى فحلال وما بقي فليتحفظ(الوسائل ب ٥ من أبواب الرباح ١٠).
أقول : والجهل هنا أعم من الجهالة بل وهي هيه إذ يبعد الجهل بحرمة الربا بعد حوالي قرنين من نزول القرآن ، ويؤيده صحيح الحلبي «كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة» (المصدر ح ٢).