(فَآمِنُوا بِاللهِ) عالم الغيب طليقا «ورسله» عالمي غيب الوحي حقيقا (وَإِنْ تُؤْمِنُوا) بالله ورسله «وتتقوا» الله حق تقاته ما استطعتم (فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
وهنا تناسب سلبية الاطلاع على الغيب ميز الخبيث من الطيب ، فليس كما الله يعلم
الخبيث من الطيب بالغيب ، ان يطلعكم على هذا الغيب كما لا يطلعكم على سائر الغيب (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) فيوحي إليه بشطر الغيب من وحي الأحكام وميز الخبيث من الطيب ، أحيانا بما يطلعهم الله عليها ، وأخرى بما يوحي إليهم بسرّ البليات ومنه (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) ، فذلك من الغيب المستور ، كيف ينهزم المؤمنون ـ أحيانا ـ وجاه الكافرين ، وهم موعودون بالنصر؟ فيوحي إلى رسله ما يكشف الستار عن هذا الغيب (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ..).
ذلك ، إضافة إلى أن الميز بالامتحان أميز من الميز بالاطلاع دون امتحان ، فقد يتبلور الإيمان في خضمّ الامتحان كما يتعور أخرى فيمن يدعيه خاويا ، فليعلم غيب سرّ الهزيمة بذلك الوحي ، ثم يعلم غيب واقع الإيمان واللّاإيمان بذلك الابتلاء ، فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.
(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ١٨٠.
كما أن إملاء الذين كفروا شر لهم ، في أموالهم وأحوالهم ، كذلك إملاء البخلاء في أموالهم ، فرغم أنهم يحسبون بخلهم بما آتاهم الله من فضله خيرا لهم ، إذ لا ينقص من أموالهم ، فتصبح ركاما من المال ، (بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ) هنا حيث يحرّض عليهم المحاويج فيقضون عليهم يوما مّا ، ويعيشونه أعداء طول حياتهم ، ثم هو شر لهم في الأخرى حيث (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ)