طوق النار (١) كما طوقوا أنفسهم بها في الأولى بخلا عن إنفاقها في سبيل الله «ولله» لا سواه (مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بعد تقضّي الحياة الدنيا ، فلما ذا ـ إذا ـ البخل بما آتاهم الله من فضله؟ فلو كانت هذه الأموال حصيلة مساعيهم ـ فقط ـ دون فضل من الله ، لكان إنفاقها مفروضا بأمر الله ، فضلا عن أنها ـ كواقع لا مردّ له ـ من فضل الله ، كما أنّ طاقاتهم ومساعيهم أيضا من فضل الله ، ف (أَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)!
وترى (بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) تخص فضل الأموال؟ وليس فضل الله خاصا بالمال ، بل إن فضل الحال علما وعقلا وما أشبه ، إنه أفضل من فضل المال كما «وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك كبيرا» تجعله الفضل الأفضل الكبير ، ثم البخل به ، المعني بالتهديد هنا ، هو بخل بواجب الإيتاء والعطاء ، مقدرا بأقدار الحاجات فردية وجماعية ، فلا يختص ماله بالزكاة المصطلحة ، اللهم إلا إذا عني بالزكاة طليق واجب الإنفاق من مال أو حال
__________________
(١) الدر المنثور ٢ : ١٠٥ ـ أخرج البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من آتاه الله ما لا فلم يؤد زكاته مثّل له شجاع اقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بهزمتيه يعني شدقه فيقول انا مالك انا كنزك ثم تلا هذه الآية.
وفيه اخرج ابن أبي شيبة في مسنده وابن جرير عن حجر بن بيات عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل ما أعطاه الله إياه فيبخل عليه إلا خرج له يوم القيامة من جهنم شجاع يتلمظ حتى يطوقه ثم قرأ هذه الآية.
وفي نور الثقلين ١ : ٤١٤ في الكافي بسند متصل عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) فقال : يا محمد ما من احد منع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله عز وجل ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب ثم قال هو قول الله عز وجل «سيطوقون ..» يعني ما بخلوا به من الزكاة.