وردا على زعم ان الله فقير ، وإلا فلما ذا يأمر بالإنفاق وله أن ينفق إذا يشاء؟ يقول:
(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) ١٨١.
هؤلاء الأغبياء (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) هم اليهود وكما قالوا (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) حيث حسبوا أنفسهم أغنياء في ذوات أنفسهم وأغنياء عن الله ، فلا حاجة لهم إلى جزائه ولا إلى أضعاف مضاعفة يعدها الله لمن ينفق في سبيله ، ولقد قالوا بكل قحة مقالتهم هذه وأنه : ما بال الله يطلب إلينا أن نقرضه من أموالنا فيضاعفه لنا وهوربا شدد النهى عنها والنكير عليها؟! (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٢ : ١٠٥ عن ابن عباس قال دخل ابو بكر بيت المدارس فوجد يهود قد اجتمعوا الى رجل منهم يقال له فنحاص وكان من علمائهم وأحبارهم فقال ابو بكر ويلك يا فنحاص اتق الله واسلم فو الله انك لتعلم ان محمدا رسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة فقال فنحاص والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر وانه إلينا لفقير وما نتضرع اليه ما يتضرع إلينا وانا عنه أغنياء ولو كان غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ينهاكم عن الربا ويعطينا ولو كان غنيا عنا ما أعطانا الربا فغضب ابو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله فذهب فنحاص فتخلص الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا محمد انظر ما صنع صاحبك بي فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لابي بكر ما حملك على ما صنعت قال يا رسول الله قال قولا عظيما يزعم ان الله فقير وانهم عنه أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال فضربت وجهه فوجد فنحاص فقال ما قلت ذلك فأنزل الله الآية.
وفيه ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث أبا بكر الى فنحاص اليهودي يستمده وكتب اليه وقال لابي بكر لا تفتت علي بشيء حتى ترجع إلي فلما قرأ فنحاص الكتاب قال قد احتاج ربكم ، قال ابو بكر فهممت ان امده بالسيف ثم ذكرت قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تفتت علي بشيء فنزلت (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ ... وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً).