وقد يؤيد ذلك العموم أن الأكل يعني كافة التصرفات ، الحلقة على كل الجنبات الروحية والجسمية ، فاللّابس من مال اليتيم هو لابس على جسمه نارا وفي بطن روحه نارا ، وكذلك سائر التصرفات حيث الجزاء العدل هو الوفاق العدل بين نوعية الأكل وملكوت النار حسبها ، ولكن بطون الأرواح هي بطون النار في مختلف الأكل على أية حال ، وإنما الاختلاف في الجوارح ظاهرة وباطنة ، من ملابس تلبس بأيد ظالمة ، ومآكل تؤكل بها في بطونها ، أماذا من مختلف التصرفات الظالمة ، إذا فقد تعني «بطونهم» موارد الأكل التصرف ، فلكل تصرف بطن يأكله : تصرفا فيه ، فكما الأكل يعم كافة التصرفات المتعدية ، كذلك البطون هي بطون تلك التصرفات طبقا عن طبق ، وذكر البطون إنما هو بمناسبة الأكل ، فحيث يعني الأكل كافة التصرفات فكذلك البطون تعم مواردها كلها ، فاللابس ملابس اليتيم انما يلبس نارا ، كما الآكل طعام اليتيم انما يأكل نارا ، والتعبير بالأكل تعبير بما يهم الإنسان كضرورة عامة ، فلا يعنى منه خاصة الأكل إلا بخاصة القرينة ، حيث المعنى المجازي تغلب على الحقيقي لحد يحتاج الحقيقي إلى قرينة.
وهذه الآية هي في عداد آيات انعكاس الأعمال بصورها وملكوتها يوم الجزاء ، ان لها مراحل اربع : ١ واقع الأعمال والأقوال والنيات ٢ صورها المستنسخة عنها هنا ٣ ظهور هذه الصور بعد الموت ٤ انقلابها الى ملكوتها ثوابا وعقابا.
ثم وكل هذه إذا مات دون توبة وتكفير ، حيث التوبة المكفّرة ـ المناسبة لهذه الكبيرة كسائر الكبائر ـ تجعل صاحبها كمن لا ذنب له كما تهدي له آيات التوبة والتكفير والروايات ، فيرده إليه أم يرد به إلى أهله (١) أم وإذا لم يتمكن من
__________________
(١) المصدر عن سماعة عن أبي عبد الله أو أبي الحسن عليهما السلام قال سألته عن رجل أكل مال اليتيم ـ