«يرد» في كل منهما تعني ـ فقط ـ كلا منهما ، ثم ومريد الدنيا للآخرة هو مريد الآخرة ، وحسنة الدنيا هي الحياة الحسنة التي هي مزرعة الآخرة وليست مزرءة للآخرة حتى تصبح جمعهما جمعا بين الضدين.
إذا ف (مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا) تعني (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً) ـ كما (مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ) تعني (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً. كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) (١٧ : ١٩) و (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (٤٢ : ٢٠).
فمن أقبل على الدنيا بوجهه كله ونآى عن الآخرة بعطفه ، فكدح للدنيا جاهدا ، ولم يعمل للآخرة صالحا ، جاحدا ، فهو الذي «يرد الدنيا» دون الآخرة ، ويعاكسه المقبل على الآخرة بعمل الدنيا والآخرة فانه ممن «يرد الآخرة».
ذلك مهما كان مريدوا الدنيا دركات ومريدوا الآخرة درجات ، فقد يؤتى كل قدره. ولماذا (نُؤْتِهِ مِنْها) في كلّ منهما والإرادة فيهما طليقة بالنسبة للثواب المراد دون تبعيض؟.
لأن المؤتى على أية حال ليس كل الثواب ، فانه موزّع بين أهليه في الدنيا والآخرة ، مهما كان ثواب الدنيا ضئيلا قليلا أمام ثواب الآخرة الجليل.
و «منها» في الدنيا قدر ما يسعى لها و (ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) ثم «منها» في الآخرة هو كذلك قدر السعي ولدي الله مزيد (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) : (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) بفضل ومزيد.
ذلك ، وأما من أراد ثواب الدنيا والآخرة ، مستقلا كلّ عن الآخر ، فهو