والجهالة التي تقرض التوبة على الله ليست هي الجهل بحكم الله قصورا او تقصيرا ، ألّا يرى السوء سوأ ثم بعد العلم يتوب من قريب حيث العصيان مع الجهل بالحكم او الموضوع ليس عصيانا مهما كان مقصرا في جهله ، حيث الجهل هنا هو العصيان لا العمل الجاهل ، و «كل ذنب عمله العبد وإن كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه ..»(١) فليست هي الجهالة بل هي الحماقة على علم بالسوء ، أن غلبت عليه شقوته وشهوته دونما تهتك لساحة الربوبية ، ولا تعمد عصيان ، فلذلك يتوب من قريب لما خمدت نيران شهوته وزال غبارها عن وجه ايمانه ندمانا أسفا.
وأما المسوف للتوبة فهو العامد ، أو المستغل شطرا من حياته للسوء رجاء التوبة قبل الموت أم بعد ردح يقضي فيه وطره.
والجهالة على علم اثنتان أخراهما أن يجهل عقاب الله ويتجاهل حضوره وحكمه كسنة في حياته بقليل أو كثير ، والجهالة في الآية هي الأولى ، دون العامة التي هي لزام كل عصيان أيا كان.
ومن الأولى المعنية هنا (أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) ـ (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ـ (أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) فانها وأضرابها تعني الجهلالة على علم دون طليق الجهل حكما او موضوعا ، وانما جهالة بحضرة الربوبية غفلة عنها وتساهلا.
فالأصل في حقل التوبة هو الإيمان والاعتراف بالذنب والندم عليه : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٤٥٧ المجمع عن أبي عبد الله (ع) ... فقد حكى الله سبحانه وتعالى قول يوسف لإخوته (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله.