منبها انه حي قائلا : «إلي عباد الله ارجعوا إلي عباد الله ارجعوا» (١) ، ولأنه لم يصعد ما صعدوا فهو ـ إذا ـ في أخراهم من جهتين.
وقد تلمح «فأثابكم» أنهم استجابوا له فرجعوا ـ وكما في الأثر ـ وقالوا : والله لنأتينهم ثم لنقتلنهم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مهلا فانما أصابكم الذي أصابكم من أجل انكم عصيتموني (٢) ، (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ ..) وترى ما هو الغم المثاب به ، ثم ما هو المبدل عنه؟.
الأمر الذي لا بد منه في الغم الأوّل أنه هو الغم الثواب الصواب حيث يخلّف سلب الحزن على ما فاتكم وما أصابكم ، فتراه الندم على ما فشلوا وتنازعوا في الأمر وعصوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وليس الندم وحده هو الذي يزيل الحزن على الفائتة والمصيبة وإن كان يخففه!.
ولكن المبدل عنه وهو بطبيعة الحال غم قتال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي يجاوب الندم على ما كان ، تناصرا في إزالة الحزن ، مهما كان بضمنه غم الهزيمة وانفلات الغنيمة.
فالغم الثاني هو انفلات الغنيمة والهزيمة العظيمة والإصابة الفادحة ، وكل ذلك أمام غم الرسول الإمام لا يحسب بشيء ، فلقد تناسوا الحزن على ما فاتهم
__________________
(١) الدر المنثور ٢ : ٨٧ عن ابن عباس قال صعدوا في أحد فرأوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعوهم في أخراهم.
(٢) المصدر اخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس (إذ تصعدون في اخراكم) فرجعوا وقالوا ... فبينما هم كذلك إذا أتاهم القوم وقد ايسوا واخترطوا سيوفهم فأثابكم غما بغم فكان غم الهزيمة وغمهم حين أتوهم (لِكَيْلا تَحْزَنُوا) ..
أقول : تفسير الغمين بهذين خلاف الاثابة في الغم الأول فلا يصغى اليه ، والحق هو الذي استفدناه من الآية.