وما أصابهم لما علموا أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حي بعد ، فلهم رجاء استمرارية النضال وجبر كل انكسار في تلك الهزيمة.
إن الحزن على كل فائتة صالحة ومصيبة فادحة ، هو طبيعة الحال للإنسان أيّا كان ، ولأن ذلك كتاب وليس ليخطأ المصاب ـ سواء أكان بفعل الله فقط ام وبما قدمته نفسه ـ فلا دور للحزن عليه ف (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها ... لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ...) (٥٧ : ٢٣).
ولكن غم الأسى على ما مضى من الفشل والتنازع في الأمر وعصيان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) التي خلّفت فوت الغنيمة والنصرة وفادح الإصابة ، ذلك الغم المقارن باستبشار حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مما يزيل وينسي كل «ما فاتكم وما أصابكم».
فالغم الأول بديلا عن الثاني ومسببا عنه (١) مع ذلك الاستبشار يحقق تلك السلبية الصالحة : (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ) فكل نقمة أمام هذه النعمة منفية مطفية ، فإن حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هي فوق كل غنيمة ونصرة.
إذا (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ) تعني ـ بصورة مختصرة ـ غما هو الندم على ما قصرتم وزعمتم وظننتم ، بغم هو زعم انتقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وواقع الهزيمة وانقطاع الغنيمة ، وما أعمقه ندما على ما قصّروا والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حي وهم يزعمون أنه قد قتل ففشلوا وأصعدوا ،
__________________
(١) حيث تتحمل الباء كلا البدلية والسببية ، فكما ان الغم الأول بدل عن الثاني ، كذلك هو سبب عنه الا في غم انقتال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).