حتى أدركهم في أخراهم وهو يناديهم : «إلي عباد الله ارجعوا ..».
ويا لها من إثابة مصيبة دورها في تناسي كل حزن ومصيبة ، كما وان فتح مكة المكرمة أنسى كل المآسي السابقة عليه واللاحقة به ، فأين ذلك الفتح المبين ، وتلكم المآسي بحق الرسول الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم).
اجل (فَأَثابَكُمْ غَمًّا) هو الثواب الصواب بعد الهزيمة وحين الإصعاد ، ذلك الغم المنبه المريح بعد التأكد من حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) سكونا نفسيا بعد الاستكانة حيث تابوا الى ربهم وثابوا الى نبيهم ، ومن ثم شملهم نعاس لطيف فيه خلاص عما تعبوا :
(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً .... ١٥٤)
هنا انقسم الذين مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الى قسمين طائفة الفضيلة: (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) وطائفة الرذيلة : (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ..). فالطائفة المغشوة بالامنة النعاس بعد إثابة الغم ، هم المثابون بالغم المصيبون في أقوالهم وأحوالهم وأعمالهم بعد إثابة الغم ، حيث تابوا وثابوا ، وقبلهم الذين صمدوا دون اي تقصير ، وثالث هم الطائفة الثانية في هذا العرض : (قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ...) لا نفس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا نفيس دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فانما (أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٢ : ٨٧ ـ اخرج ابن جرير عن السدي ان المشركين انصرفوا يوم احد بعد الذي كان من أمرهم وامر المسلمين فواعدوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدرا من قابل فقال لهم نعم فتخوف المسلمون ان ينزلوا المدينة فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجلا فقال انظر فان رأيتهم قد قعدوا على أثقالهم وجنبوا خيولهم فان القوم ذاهبون وان رأيتهم قد قعدوا على خيولهم وجنبوا أثقالهم فان القوم ينزلون المدينة فاتقوا الله واصبروا ووطنهم على القتال فلما ابصرهم الرسول قعدوا على الأثقال سراعا عجالا نادى بأعلى صوته بذهابهم فلما رأى المؤمنون ذلك صدقوا نبيّ الله ـ