فمورد البيان والهدى هما سيّان (سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) بيانا لهذه السنن وهديا إياها ، ثم بيانا الى الأهدى وتركا لغيرها ، وكما أشارت (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) وأضرابها الى سالف السنن خيّرة وشرّيرة ، فمن الأولى الجمع بين الأختين وقد حرمه الله في هذه الشرعة ، ومن الثانية نكاح نساء الآباء (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً).
أم إن البيان يختص بخاصة شرعة القرآن ، ثم «ويهديكم» هدي الى النجدين من السنن الماضية ، ولتعلموا مدى رحمته الواسعة الطليقة لأمة القرآن الخالدة.
هكذا (يُرِيدُ اللهُ) ثم «يريد» (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) رجوعا برحمته الخالدة عليكم في بلورة الأحكام السالفة تكميلا لها وتسهيلا ، ثم توبة عليكم فيما قصرتم أو قصّرتم (وَاللهُ عَلِيمٌ) بسؤالكم «حكيم» بأحوالكم وما تحتاجون على مر الزمن إلى يوم الدين.
أجل (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) تسهيلا وتخفيفا (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) وهي كل ما يخالف عقلية الإنسان والفطرة وعقلية الشرعة ، سواء في الشهوات الجنسية أم سواها (أَنْ تَمِيلُوا) الى طليقة الشهوات ، أو عن حليلة الشهوات (مَيْلاً عَظِيماً).
فكما الميل المطلق الى الشهوات محظور وميل عظيم ، كذلك الميل عن الشهوات تقشفا زائدا عن المحبور محظور وميل عظيم.
فالله يريد منا العوان بين الميلين على ضوء شرعته ، دون إفراطة الفوضى في الشهوات كما يفعلها الإباحيون المستحلون لعامة الشهوات أم يوسعون نطاق الحل إلى الأخوات وبنات الاخوة والأخوات كالمجوس ، ولا تفريطية التقشف البائس كما يفعله المحرّمون لما أحل الله ، ومنهم الخليفة عمر حيث حرم المتعة