الأولى والأخرى كما سنها الله وقررها ، دون الوسائل المختلفة ولا سيما المحظورة ، فإنما هي المحبورة.
وهنا (اتَّقُوا اللهَ) تحلّق إلى أصيل التقوى فصيلتها الوسيلة إليها ، فلا يتوسل إلى التقوى بوسيلة الطغوى ، والغاية ليست لتبرر الوسيلة ، فإنما التقوى تبرّرها كما تبرّر الغاية ، سلسلة متواصلة من الحياة الإيمانية راحلتها التقوى كزادها ، وهي الصراط المستقيم.
ثم (اتَّقُوا اللهَ) تعم تقوى السلب تركا للمحظورات ، وتقوى الإيجاب فعلا للمحبورات المشكورات ، ومن ثم لا تتحقق التقوى دون أية وسيلة ولا بأية وسيلة ، فإنما هي «الوسيلة» المقرّبة إلى الله ، وكما هي لغويا التوسل التقرّب إلى الشيء برغبة ، وسيلة مقرّبة مرغوبة ، لا مغرّبة منكوبة.
فتخيّل التقوى دون أية وسيلة ، هو كتخيّلها بوسيلة مغرّبة غير مرغوبة ، إنّه تخيل جاهل قاحل ، قد غرق فيها خلق كثير ، كالقائلين إن الغاية تبرر الوسيلة فيتذرعون بأية وسيلة محظورة للحصول على الغاية المرغوبة ، والقائلين أن التوسل بالعبادة غير مفروض على من هو متقّ في قلبه ، أو الواصل إلى الله بعبادته ، حيث العبادة ليست إلّا للوصول إلى اليقين : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).
إذا فترك الوسيلة الصالحة إلى الله وفي تقوى الله ليس إلا طغوى على الله ، تخلفا عن شرعة الله المحلقة على المسئوليات القلبية والقالبية ، الشخصية والجماهيرية ، وأما الغاية التي هي أهم من الوسيلة فقد تتبرر وسيلتها حين يدور أمر الواجب بينهما كغاية الإنجاء من الغرق حيث تتبرر وسيلته المحظورة كلمس بدن الأنثى للذكر وعكسه ، إذا فليست كل غاية
__________________
ـ النبيين وهي في درج النبيين كالقمر بين الكواكب فلا يبقى يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد إلا قال : «طوبى لمن كان هذه الدرجة درجته ...».