ذلك ومن غريب الوفق العددي بين المسجد والدين ـ ما يدل على تلازمهما ـ أن كلّا يذكر بصيغة في القرآن (٩٢) مرة ، حيث المساجد هي مجتمعات إسلامية شاملة كافلة لكافة التعاونات الإيمانية ، ولا سيما المسجد الحرام ، فإنه مؤتمر إسلامي فيه قيام للناس ، فقد (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ).
ثم وهذه ضابطة ثابتة أن شنآن قوم ولا أي سبب من الأسباب لا يسمح باعتداء عليهم ، اللهم إلّا بمثل ما اعتدي شرط السماح فيه ، بشنآن وسواه.
وهكذا يؤدّب المؤمن حتى وجاه عدوّه ألّا يعتدي عليه في فورة الغضب ودفعة الشنآن ودفئته ، ولا سيما في نزوة الغلبة وحظوة الفتح المبين.
ونرى رسول الهدى (ص) كيف عامل المشركين عند الفتح ، حيث تناسى كل غابر من شنآن المشركين وعداءهم العارم ، وعاملهم معاملة الأخوة الحنونة غير المنونة قائلا «اذهبوا فأنتم الطلقاء»!.
أجل ـ لا دور هنا لحمية الجاهلية الجهلاء ، ولا نعرة العصبية الحمقاء ، وهنا المسافة الشاسعة بين درك الجاهلية بحذافيرها وبرك الإيمان بأفقه السامق الوضيء!.
أجل! وإن جو الإيمان ككل ولا سيما في الشهر الحرام والبلد الحرام ، هو جوّ لطليق الأمان ، حتى للمشركين وسائر الحيوان وحشا وسواه ، اللهم إلّا دفاعا مفروضا عند الهجمات ، اعتداء كما يعتدى دون تجاوز عن قضية الدفاع.
وهكذا استطاعت التربية الإسلامية السامية أن تروض نفوسا شاردة ماردة من قوم لدّ على الانقياد لتلك المشاعر القومية وتعظيم الشعائر الإلهية البهية ، فولّدت البشرية ولادة جديدة جادّة منقطعة النظير.
ذلك ، ولأن صدهم إياكم عن المسجد حين يقابل بالاعتداء عليهم