فالصفات الذاتيات الثلاث عبارات عن ذات واحدة غير متجزئة ، فليس في الواقع إلّا وحدة تجردية بسيطة دون أجزاء وصفات عارضة ولا ذاتية مركبة ، ولكنهم يفسرون ثالوثهم بذوات ثلاث مفصلة عن بعضها البعض ولكنها متساوية الجوهر في وحدة حقة حقيقية (١)!.
ذلك ، وإلى قول فصل سيأتي على ضوء آية الغلو حول خرافة الثالوث وألوهة المسيح وبنوته عقليا ونقليا على ضوء قوله تعالى (يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ..) حيث يشير إلى أنها خرافة وثنية عتيقة تسربت في النصارى ثم ترسبت فيهم ، فهم ليسوا أصلاء في هذه الخرافة الجارفة ، بل هم يقتفون آثار مختلف صنوف المشركين في تاريخ الإشراك.
__________________
(١) هنا يقول الكاتب المسيحي المعاصر رئيس مطارنة بيروت الأستاذ الحداد في ص ٤٤ من كتابه : القرآن والكتاب : «ان توحيد التثليث من ارقى مراتب التوحيد ولم تكن البيئة البدائية في الحجاز لتقوى على استساغته لأنهم ما أوتوا من العلم إلّا قليلا! والنصرانية منذ كانت هي دين التوحيد مع قولها بعقيدة التثليث في الطبيعة الإلهية الواحدة فالتثليث المسيحي الصحيح لا يعدّد ولا يجزأ اللاهوت الواحد في الله الأحد ، فالنصرانية أولا وأخيرا تؤمن بإله واحد كما ينص عليه مطلع دستور إيمانها الذي هو شهادتها تحت كل سماء ومن ثم فالإيمان في الوهية عيسى ـ لا في تأليه عيسى ـ وفي تأنسه وتجسده لا يزيد شيئا ولا ينقص شيئا من طبيعة الخالق الواحدة ، إذن فالعقيدتان المسيحيتان «التثليث والتجسد» لا تمتان إلى الشرك بصلة ، إنهما من صميم التوحيد وتعتبرهما النصرانية القديمة في معناهما الصحيح تفسيرا منزلا لحياة الحي القيوم في ذاته السامية كما نزل به الإنجيل.
وهذا التعليم الكامل لم يكن الرسل والحواريون يبشرون به لأول وهلة بل كانوا ينادون بالتوحيد الأركان الأولى لأقوال الله في ديار الوثنية والشرك وبعد توطيد الايمان كانوا يفسرون للمؤمنين غنى الطبيعة الإلهية في تفاعلها اللامحدود وتثلثها الذاتي اللامتناهي على قدر ما يمكن للعقل البشري المحدود أن يستوعب حياة الحي القيوم للامحدود.