أجل «لا تحرموا .. ولا تعتدوا» اعتداء على الله تشريعا خلاف ما شرعه ، ثم على نفسك تحريما عمليا لما أحلّ الله ، ثم على غيرك ، ومن ثم اعتداء في حقل طيبات ما أحل الله إسرافا أو تبذيرا ، فإن كل ذلك اعتداء تشملها «لا تعتدوا».
(وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ...) أمر عقيب حظر يفيد الإباحة بمختلف مراحلها ، ثم «حلالا طيبا» تفيد سماح الأكل بالرزق الحلال فإن منه حراما كما (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) (١٦ : ٦٧) فتقييد «رزقا» ب «حسنا» يلمح أن هناك رزقا سيئا ، وذلك قضية التوحيد الأفعالي أن المأكول المحرم رزق سيء لمن أختاره بسوء الإختيار.
وقد تعني «كلوا» كافة التصرفات كما (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ
__________________
ـ عليك إلّا رجعت فواقعت أهلك فقال يا رسول الله (ص) إني صائم قال : أفطر : فأفطر وأتى اهله فرجعت الحولاء إلى عائشة قد اكتحلت وامتشطت وتطيبت فضحكت عائشة فقالت : مالك يا حولاء فقالت : إنه أتاها أمس فقال رسول الله (ص) ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والنوم ألا إني أنام وأقوم وأفطر وأصوم وانكح النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني فنزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا) يقول : لا تجبّ نفسك فان هذا هو الاعتداء وأمرهم أن يكفروا ايمانهم فقال : لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم .... وفيه أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال ان رجالا من اصحاب النبي (ص) منهم عثمان بن مظعون حرموا اللحم والنساء على أنفسهم وأخذوا الشفار ليقطعوا مذاكيرهم لكي تنقطع الشهوة عنهم ويتفرغوا لعبادة ربهم فأخبر بذلك النبي (ص) فقال : ما أردتم؟ قالوا : أردنا ان نقطع الشهوة عنا ونتفرغ لعبادة ربّنا ونلهو عن الناس فقال رسول الله (ص) : لم أؤمر بذلك ولكني أمرت في ديني أن أتزوج النساء فقالوا نطيع رسول الله (ص) فأنزل الله هذه الآية فقالوا : كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها فأنزل الله (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ ...) وفيه عنه (ص) ان خصاء امتي الصيام وليس من امتي من خصى أو اختصى.