إذا فتأخيرها تأخير قاصد إلى هذه العنايات الثلاث.
فقد عفى الله عن أشياء لم يبينها فلا تسألوا عنها ، وعفى الله عن ذلك السؤال المحظور فلا تكرروه ، وعفى الله عن إبداءها بعد السؤال فلا تحفوا.
ذلك ، ومن ثم تذكير بسابق هكذا سؤال بجوابه العضال : (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) كالسائلين حول البقرة في قصتها الإسرائيلية فقد كفروا بكرور سؤالهم في مثل (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ ..) والسائلين (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٨ : ٣٢) أو (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٧ : ٧٠) وكسؤال قوم موسى (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) و (إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ ... فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) وما أشبه من السؤالات الكادحة القادحة غير المعنية لعاقل فضلا عن مؤمن ، فإنما سؤال المؤمن هو عن سؤل الإيمان ، مزيدا للمعرفة دون استجهال أو استعجال.
ذلك! فلقد جاء هذا القرآن لا ليقرر عقيدة فحسب ، أو شريعة فحسب ، بل ليربّي أمة صالحة في كافة الحقول ، إنشاء لهم على منهج عقلي وخلقي ، فهنا يعلّمهم أدب السؤال ، فطالما هناك في وحي الكتاب والسنة أمور مجملة أو مجهلة فهي قاصدة بالوحي نفس الإجمال والإجهال ، وقد يروى عن النبي (ص) قوله بهذا الصدد : «ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبياءهم».
فإنما المعرفة في الإسلام تطلّب لمواجهة حاجة واقعة أو مدققة وفي حدود الواقع المرام ، دون التكهنات غير المعنية في سؤل الحياة الإنسانية المسلمة.