فالذنوب هي التي تخلّف الهلاك ، هنا نزيرا ، وهناك بعد الموت غزيرا ، ومن رحمات الله على المؤمنين أن قد يأخذهم بذنوبهم هنا كيلا يؤخذوا بها هناك واين أخذ من أخذ؟.
وهنا (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) تعني جماعة بعدهم إذ أهلكوا بالطاغية.
(وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧):
هؤلاء المعرضون عن آيات ربهم لا يفرّقون بينها في تكذيبهم مهما تطلبوا كتابا في قرطاس ينزل من السماء ملموسا لهم بأيديهم حيث يتقولون قولتهم الفاتكة الهاتكة : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) فما تفيدهم إذا آيات مقترحات كما سواها من آيات.
لقد اقترح مشركون ومعهم كتابيون تنزيل كتاب من السماء ، فكما لهؤلاء : (لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) (١٧ : ٩٣) كذلك لأولاء (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً ...) (٤ : ١٥٣).
إذا فتجاوبهم في تحقيق آيات مقترحات ـ ولا سيما التي ليست هي في الحق بآيات ـ إنه تجاوب معهم في التكذيب والاستهزاء بها وتهديرها وتهذيرها دون اهدائها أو تحذيرها.
وهنا (كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ) تبيّن أن هؤلاء الحسيين الناكرين لما وراء الحس بلغوا في عناد النكران لحد ينكرون المحسوس الملموس كما ينكرون غير المحسوس ، لأن تصديق ذلك المحسوس ذريعة إلى تصديق لغير المحسوس.