به ، لذلك فقد تشمل الإنباء مثلث النشآت إخبارا وواقعا ، مهما لم تفدهم أنفسهم إلّا هنا لو كانوا ينتبهون كما في قوم يونس ، أم ولا أقل من إفادتها سائر الناس ، وأما في البرزخ والقيامة فلا فائدة لهم منها إلّا بائدة.
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) (٦) :
القرن ـ وهو الردف والاقتران ـ وهم هنا القوم المقترنون في زمن واحد متصل ، ولأن العمر المتعود للإنسان لا يعدو مائة سنة ، لذلك سميت قرنا قضية اقترانهم في كل مائة مائة ، انقراضا للسابق وافتتاحا للّاحق ، فقد لا يختص القرن بذلك الزمن المحدد ، حيث الأصل هو كل ردح زمني لأمة تعيشه ، مائة أما زاد أو نقص.
(أَلَمْ يَرَوْا) رؤية تأريخية جغرافية بما وصلتهم من أنباء من (أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ) وقد (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) ـ (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٤٦ : ٢٦).
«مكناهم» بسلطات زمنية وقدرات مالية ورحمات منها غزيرة ، ولكنهم ـ بما كانوا يجحدون بآيات الله وما كانوا يستهزءون ـ (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) دون أن تغينهم عن بأسهم مكنتهم ولا عن بؤسهم مكانتهم (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) مثل قرنهم ، قرنا بهم بعدهم ليبلوهم فيما آتاهم ، ف (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) (١٩ : ٧٤) و (هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً) (٥٠ : ٣٦) ف (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) (١٩ : ٩٨)؟ كلّا بل (فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) (٣٨ : ٣) وقد مضى يوم خلاص!.