والمشتاق إلى ربه ، المفتاق إلى هدايته ورحمته ، ليس ليصبر حتى تأتيه آيات من ربه ، بل ويفحص عنها فحصا باحثا ما حصا غير قالص ولا فالس ، ولكي يزداد به إيمانا وفيه اطمئنانا.
فالناس وجاه آيات ربهم على ضروب شتى ، فمنهم من يفتش عنها ، ومنهم المعرض عنها ، ومنهم عوان بينهما ، فالأولون هم المتقون والآخرون هم الطاغون ، والعوان بينهما عوان بينهما.
وهذه موجة عريضة في مطلع السورة ، تخاطب ضمير الإنسان بدليل آيات الرب الكامنة في الأنفس ، والمكتملة في الآفاق.
وليس ذلك خطابا لاهوتيا فلسفيا يختص بالمتفلسفين واللّاهوتيين ، إنما هو خطاب موجه إلى كل الفطر والعقول والحواس والعلوم في كل الحقول على درجاتها.
والتذكير بآيات ربهم هو الموجه الغامرة الكون كله ، بكل الآيات الربانية آفاقية وأنفسية ، وترى ما هو سبب إعراضهم عن آيات ربهم حين تأتيهم؟ :
(فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(٥) :
«الحق» ـ ككل ـ الآتي من قبل الحق ، المزود بآيات ربوبيته ، إنهم كذبوه إعراضا عنها كيلا يصدقوه ، ومثلهم كمثل من قال عنهم نوح (ع) : (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً)(٧١ : ٧).
ذلك «فسوف» في مثلث النشآت (يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ومن أنباءه هنا عذاب الاستئصال ، ومن ثم عذاب البرزخ والقيامة.
ولأن النبأ هو خبر ذو فائدة عظيمة ، وهو يعم واقع النبإ إلى الإخبار