ويحك إن الأماكن أقدار ، فإذا قلت : في مكان بذاته ، لزمك أن تقول : في أقدار وغير ذلك ، ولكن هو بائن من خلقه ، محيط بما خلق علما وقدرة وإحاطة وسلطانا وليس علمه بما في الأرض بأقل مما في السماء ، ولا يبعد منه شيء ، والأشياء له سواء علما وقدرة وسلطانا وملكا واحاطة (١).
(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) (٤).
(آياتِ رَبِّهِمْ) هي الآيات الدالات على ربوبيته تكوينا وتشريعا ، أم قد تعم الآيات الأنفسية الى الآفاقية ، وإيتائها ـ إذا ـ بروزها مهما أخفوها أو اختفوا عنها ، فقد تبرز الآيات الفطرية إذا انقطعت الأسباب وحارت دونه الألباب ، فينقطعون اضطراريا إلى الله ثم هم معرضون : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) (٢٩ : ٦٥).
ولا يعني إعراضهم عن آيات ربهم إلّا إعراضهم عن ربهم تعمية عليهم كونه وكيانه ، وهم يعيشون آيات ربهم ليل نهار!.
ذلك ، والمفروض على من يعرف ربه أو يحتمل كونه أن يفتش استنباطا عن آياته حتى تكتمل معرفته به على ضوءها ، وحتى الذكري ينكره ، عليه أن يبرهن على نكرانه فليفتش عما يدعي كونه من آياته ، فإما سلبا كما خيّل إليه ـ ولن يكون ـ وإمّا إيجابا كما تهديه إليه فطرته وعقليته والكون بأسره ، حيث الكائنات ككل هي براهين ساطعة قاطعة على وجود الله وتوحيده.
__________________
(١) تفسير البرهان ١ : ٥١٧ ـ ابن بابويه بسند متصل عن محمد بن النعمان قال سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عزّ وجلّ (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) قال : «هو كذلك في كل مكان ...».