والجواب ان «لو» هنا لا تحيل إنزال الملائكة استحالة ذاتية خارجة عن القدرة ، إنما هي استحالة مصلحية وهي قضاء الأمر لو أنزلت بالصورة الأصلية ، واشتباه الأمر كما كان لو أنزلت بصورة رجل : (لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ).
ثم إن ضرورة المجانسة بين الرسول والمرسل إليهم إتماما للحجة وإنارة للمحجة وإخراجا عن أية لجة ، إنها تفرض إرسال رسول بشر إلى بشر ورسول غير بشر إلى غير بشر : (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) (١٧ : ٩٥) (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا ..) (٦ : ١٣٠).
ثم الآيات الرسالية الظاهرة على أيدي الملائكة ليست لتثبت رسالاتهم كما تثبت الآيات على أيدي البشر ، فان احتمال طاقة خاصة تبرز هذه الآيات وارد في الملائكة للبشر ولا سيما للناكرين للآيات الرسولية والرسالية.
فمهما كانت الرسالة الملائكية إلى البشر أقوى من حيث اللقاء ، ولكنها أغوى من حيث عدم المجانسة وسقوط الحجة الكاملة ، وحجتهم الأقوى تجبر بآيات الرسل البشر فلا يبقى إلّا الأغوى إضافة إلى سقوط دور التكليف أم ضعفه ، ففي رسالة البشر تضاعف البرهان بتناسق انسان مع انسان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)!.
فالمتطلبون الرسالة الملائكية هم في الحق لا يطلبون حجة أقوى ، بل هي أهوى وأغوى ، فمن المستحيل ـ إذا ـ إرسال الرسل الملائكية لقبيل الإنسان وأضرابه لأمور تالية:
١ ـ الملائكة لا ترى بالصورة الملائكية إلّا عند الموت وفي البرزخ والقيامة