وهنا مسئلة تطرح نفسها حول هذه الحجة الفريدة في القرآن كله ، هي : ليس إنزال الملائكة بصورتهم الملائكية مستحيلا إذ (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) تثبت آجل رؤيتهم لهم ـ وكما رأى النبي (ص) جبرئيل بصورته الأصلية ـ ولا بالصورة الإنسانية فإن رسلا كإبراهيم ولوطا رأو الملائكة بصورة الإنسان.
__________________
ـ عليهما السلام أنه قال : قلت لأبي علي بن محمد عليهما السلام هل كان رسول الله (ص) يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجهم إذا حاجوه؟ قال : بلى مرارا كثيرة إن رسول الله (ص) كان قاعدا ذات يوم بفناء الكعبة ـ إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش ـ إذ ابتدأ عبد الله بن أبي أمية المخزومي فقال يا محمد! لقد ادعيت دعوى عظيمة وقلت مقالا هائلا ، زعمت أنك رسول رب العالمين وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشرا مثلنا ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده بل لو أراد الله ان يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ، ما أنت يا محمد إلّا رجلا مسحورا ولست بنبي فقال رسول الله (ص): «اللهم ... فأنزل الله عليه يا محمد «وقالوا ...» ثم قال رسول الله (ص) : وأما قولك لي : ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده ، بل لو أراد أن يبعث إلينا نبينا لكان إنما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ، فالملك لا تشاهده حواسكم لأنه من جنس هذا الهواء لا عيان منه ولو شاهدتموه بأن يزاد في قوى ابصاركم لقلتم ليس هذا ملكا بل هذا بشر لأنه إنما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي ألفتموه لتعرفوا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق ، بل إنما يبعث الله بشرا وأظهر على يده المعجزات التي ليست في طبايع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم فتعلمون بعجزكم عما جاء به أنه معجزة وان ذلك شهادة من الله بالصدق له ، ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما يعجز عنه البشر لم تكن في ذلك ما يدلكم أن ذلك ليس في طبايع ساير أجناسه من الملائكة حتى يصير ذلك معجزا له ، ألا ترون ان الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز لأن لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها ، ولو أنّ آدميا طار كطيرانها كان ذلك معجزا فالله عزّ وجلّ سهل عليكم الأمر وجعله بحيث يقوم عليكم حجته وأنتم تقترحون على الصعب الذي لا حجة فيه ...».